فصل: الخبر عن نزوع أبي عامر ابن السلطان إلى بلاد الريف وجهات غمارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتزاء الوزير الوساطي بحصن تازوطا من جهات الريف واستنزال السلطان إياه:

كان بنو الوزير هؤلاء رؤساء بني واطاس من قبل بنى مرين ويرون أن نسبهم دخيل في بنى مرين وأنهم من أعقاب علي بن يوسف بن تاشفين لحقوا بالبدر ونزلوا على بنى واطاس ورسخت فيهم عروقهم حتى لبسوا جلدتهم ولم يزل السرو متربعا بين أعينهم لذلك والرياسة شامخة بأنوفهم وكانوا يرومون الفتك بالأمراء من أولاد عبد الحق فلم يطيقوه ولما احتل السعيد بتازى غازيا إلى تلمسان كما ذكرناه ولحق ببلدهم الأمير أبو يحيى بن عبد الحق ائتمروا في الفتك به ونذر بشأنهم فارتحل ففروا إلى غبولة وعين الصفا من بلاد بني يزناسن وهنالك بلغه خبر مهلك السعيد وكانت بلاد الريف لبني واطاس من لدن دخول بني مرين المقرب واقتسامهم لأعماله فكانت ضواحيها لنزلهم وأمصارها ورعاياها لجبايتهم وكان حصن تازوطابها من أمنع المعاقل بالمغرب وكان الملوك من أولاد عبد الحق يعتنون بشأنه وينزلونه من أوليائهم من يثقون بغنائه واطلاعه ليكون آخذا بناصية هؤلاء الرهط وشجا في صدورهم عما يسيمون إليه وكان السلطان قد عقد عليه لمنصور ابن أخيه الأمير أبي مالك بعد مهلك ابنه أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق وكان عمر بن يحيى ابن الوزير وأخوه عامر رئيسين على بني واطاس لذلك العهد فاستوهنوا أمر السلطان بعد مهلك أبيه وحدثوا أنفسهم بالانتزاء بتازوطا والاستبداد بتلك الناحية فوثب عمر منهم بمنصور ابن أخي السلطان شهر شوال من سنة إحدى وتسعين وستمائة وفتك برجاله وذويه وأزعجه عنها وغلبه على مال الجباية الذي كان بقصره فاستصفاه واستأثر به واستبد وشحن الحصن برجاله وحاشيته ووجوه قومه ووصل منصور إلى السلطان وهلك لليال من منجاته أسفا لما أصابه وسرح السلطان وزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن خرباش بالعساكر لمنازلته فأناخ عليه ثم نهض السلطان على أثره ووافاه واضطرب معسكره بساحته وخالف عامر أخاه عمر إلى السلطان بقومه حذرا من مغبة الأمر وأشفق عمر لشدة الحصار ويئس من الخلاص وظن أن قد أحيط به ودس إلى أخيه عامر فاستأذن السلطان في مداخلته في الدخول على الحصن فأذن له واحتمل ذخيرته وفر إلى تلمسان وبدا لعامر في رأيه عندما خلص إلى الحصن وخلاله من أخيه عمر الجو وحذر غائلة السلطان وخشي أن يثأر منه بابن أخيه فامتنع بالحصن ثم ندم وسقط في يده وفي خلال ذلك كان وصول وفد الأندلس وأرسوا أساطيلهم بمرسى غساسة فبعث إليهم عامر أن يشفعوا له عند السلطان لوجاهتهم لديه فتقبلت شفاعتهم على شريطة إجازته إلى الأندلس وكره ذلك وقدم بين يديه بعض حاشيته إلى الأسطول مكرا بهم وخاض الليل إلى تلمسان وتقبض السلطان على ولده وقتل وأسلم أهل الأسطول من كان من حاشيته لديهم وتجافوا عن إجازتهم على السلطان لما مكر بهم عامر فأمر فاستلحموا مع من كان بالحصن من أتباعهم وقرابتهم وذرياتهم وتملك السلطان حصن تازوطا وأنزل به عماله ومسلحته وقفل إلى حضرته بفاس آخر جمادى من سنة اثنتين وتسعين وستمائة والله تعالى أعلم.

.الخبر عن نزوع أبي عامر ابن السلطان إلى بلاد الريف وجهات غمارة:

كان الأمير أبو عامر بعد إجازة ابن الأحمر إلى السلطان أبيه ورضاه عنه وتأكيد مؤاخاته وإغراء وزيره بمنازلة طريف واستنزاله أولاد الوزير المنتزين بحصن تازوطا رجع من قصر مصمودة إلى بلاد الريف بإيعاز أبيه إليه بذلك لتسكين أحوالها وكان أولاد الأمير أبي يحيى بن عبد الحق قد نزعوا إلى تلمسان لسعاية فيهم وقرت في صدر السلطان فأقاموا بها أياما ثم استعطفوا السلطان واسترضوه فرضي وأذن لهم في الرجوع في محلهم من قومهم ودولتم وبلغ الخبر الأمير أبا عامر وهو بمعسكره من الريف فأجمع على اغتيالهم في طريقهم فظن أنه يرضي بذلك أباه وأعرضهم بوادي القطف من ملوية سنة خمس وتسعين وستمائة فاستلحمهم وانتهى الخبر إلى السلطان فقام في ركائبه وقعد وتبرأ إلى ابنه من إخفار ذمته ومن صنيع ابنه وسخطه وأقصاه فذهب مغاضبا ولحق ببلاد الريف ثم صعد إلى جبل غمارة فلم يزل طريدا بينهم ونازلته عساكر أبيه لنظر ميمون بن وردار الجشمي ثم لنظر يرزيكن بن المولاة تاميمونت وأوقع بهم مرارا آخرها بيرزبكن سنة سبع وتسعين وستمائة وذكر الربجي مؤرخ دولتهم أن خروجه بجبل غمارة كان سنة أربع وتسعين وستمائة وقتله لأولاد الأمير أبي يحيى كان سنة خمس وتسعين وستمائة بعدها أغزاهم من مثوى انتزائه وقتلهم كما ذكرناه والله أعلم ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك ببني سعيد من جبال غمارة سنة ثمان وتسعين وستمائة ونقل شلوه إلى فاس فووري بباب الفتوح ملحد قومهم هنالك وأعقب ولدين نقلهما السلطان جدهما فكانا الخليفتين من بعده ملى ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن حصار تلمسان الكبير وما تخلل ذلك من الأحداث:

كان عثمان بن يغمراسن بعد إفراج السلطان سنة تسع وثمانين وستمائة وانتقاض الطاغية وابن الأحمر عليه كما قلناه صرف إلى ولايتهما وجه تدبيره وأوفد على الطاغية ابن بريدى من صنائع دولته سنة اثنتين وتسعين وستمائة ووجهه الطاغية مع الريك ريكسن رسول من كبار قومه ثم عاد الله الحاج مسعود من حاشيته ووصل يده بيده يظن ذلك دافعا عنه واعتدها السلطان عليه وطوى له على النث حتى إذا فرغ من شأن الأندلس وهلك الطاغية شانجة سنة ثلاث وتسعين وستمائة لإحدى عشرة من سني ملكه وارتحل السلطان إلى طنجة لمشارفة أحوال الأندلس سنة أربع وتسعين وستمائة فأجاز الله السلطان ابن الأحمر ولقيه بطنجة وأحكم معه المؤاخاة ولما استيقن سكون أحوالها نزل لابن الأحمر عن جميع الثغور التي بها الطاغية وأجمع غزو تلمسان ولحق به بين يدي ذلك ثابت بن منديل المغراوي صريخا على ابن يغمراسن ومستجيشا بقومه فتقبله وأجاره.
وكان أصاب الناس أعوام اثنتين وتسعين وستمائة قحط ونالتهم سنة وهنوا لها ثم إن الله رحم خلقه وأدر نعمته وأعاد الناس إلى ما عهدوه من سبوغ نعمهم وخصب عيشهم ووفد عليه سنة أربع وتسعين وستمائة ثابت بن منديل أمير مغراوة مستصرخا به من عثمان بن يغمراسن فبعث من كبار قومه موسى بن أبي حمو إلى تلمسان شغيعا في ثابت بن منديل فرده عثمان أقبح رد وأساء في إجابته فعاود الرسالة إليهم في شأنه فلم يزدهم إلا إصرارا فاعتزم على غزو بلادهم واستعد لذلك ونهض سنة أربع وتسعين وستمائة حتى انتهى إلى بلاد تاوريرت وكانت تخما لعمل بني مرين وبني عبد الواد في جانبها عامل السلطان أبي يعقوب وفي جانبها الآخر عامل عثمان بن يغمراسن فطرد السلطان عامل ابن يغمراسن وتميز بها واختط الحصن الذي هنالك لهذا العهد تولاه بنفسه يغادي الفعلة ويراوحهم وأكمل بناء في شهر رمضان من سنته واتخذه ثغرا لملكه وأنزل بني عسكر لحياطته وسد فروجه وعقد عليهم لأخيه أبي يحيى بن يعقوب وانكفأ راجعا إلى الحضرة ثم خرج من فاس سنة خمس وتسعين وستمائة غازيا إلى تلمسان ومر بوجدة فهدم أسوارها وتغلب على مسيفة والزغاوة وانتهى إلى ندرومة ونازلها أربعين يوما ورماها بالمنجنيق وضيق عليها وامتنعت عليه فأفرج عنها ثاني الفطر ثم أغزى تلمسان سنة ست وتسعين وستمائة وبرز لمدافعته عثمان بن يغمراسن فهزمه وحجزه بتلمسان ونزل بساحتها وقتل خلقا من أهلها ونازلها أياما ثم أقلع عنها وقفل إلى المغرب وقضى منسك الأضحى من سنته بتازى فأعرس هنالك لحافدة أبي ثابت ابن منديل كان أصهر فيها إلى جدها قبل مهلكه سنة ست وتسعين وستمائة قتيلا ببحيرة الزيتون من ظاهر فاس قتله بعض بني ورتاجن في دم كان لهم في قومه فثأر السلطان به من قاتله وأعرس بحافدته وأوعز ببناء القصر بتازى وقفل إلى فاس فاتح سنة سبع وتسعين وستمائة ثم ارتحل إلى مكناسة وانكفأ إلى فاس ثم نهض جمادى غازيا تلمسان ومر بوجدة فأوعز ببنائها وتحصين أسوارها واتخذ بها قصبة ودارا لسكناه ومسجدا وأغزى إلى تلمسان ونزل بساحتها وأحاطت عساكره إحاطة الهالة بها ونصب عليها القوس البعيدة النزع العظيمة الهيكل المسماة بقوس الزيار ازدلف إليه الصناع والمهندسون بعملها وكانت توقر على أحد عشر بغلا ثم لما امتنعت عليه تلمسان أفرج عنها فاتح سنة ثمان وتسعين وستمائة ومر بوجدة فأنزل بها الكتائب من بني عسكر لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب كما كانوا بتاوريرت وأوعز إليهم بترديد الغزاة على أعمال ابن يغمراسن وإفساد سابلتها وضاقت أحوالهم ويئسوا من صريخ صاحبهم فأوفدوا على الأمير أبي يحيى وفدا منهم يسألون الأمان بمن وراءهم من قومهم على أن يمكنوه من قياد بلدهم ويدينوا بطاعة السلطان فبذل لهم من ذلك ما أرضاهم ودخل البلد بعساكره واتبعهم أهل تاوونت وأوفد مشيختهم جميعا على السلطان آخر جمادى فقدموا عليه لحضرته وأدوا طاعتهم فقبلها ورغبوا إليه في الحركة إلى بلادهم ليريحهم من ملكة عدوه وعدوهم ابن يغمراسن ووصفوا من عسفه وجوره وضعفه عن الحماية ما استنهض السلطان لذلك على ما يذكر إن شاء الله تعالى والله أ علم.